ناصر، قصة نجاح شاب مغربي في الصين
قام الطالب المغربي ناصر، الذي يدرس بجامعة تشونغ شان بإيقاد شعلة الدورة السادسة والعشرين من الملتقى الرياضي العالمي للطلاب أثناء حفل الإفتتاح، جنبا إلى جنب مع العداء الصيني المشهور والبطل الأولمبي، ليو شيانغ، إلى جانب رياضيين آخرين. هذا الفخر الكبير، إستحقه ناصر عن جدارة.
في عام 1995، وبعد جمعه 2000 دولار من عمله الخاص، جاء ناصر الذي لم يكن حينها قد تجاوز الـ 18 إلى الصين، البلد الذي طالما حلم بزيارته، ومنذ جاء إستمرت إقامته في الصين 20 سنة. من بروسلي إلى أوبرا بكين، من الكونغ فو إلى المغني تهان يونغ لين، ثم إلى لهجة قوانغ دونغ، والجنوب الصيني وقوانغتشو، لم تبقى خاصية من خصائص الصين إلا وتركت فيه إنطباعا عميقا.
بعد عشرين سنة، أصبح ناصر إستاذ تدريب محترف، حيث يقدم تدريبا مهنيا للخريجين الجامعيين الصينيين.
ويسعى ناصر إلى أن يصبح جسرا للتعاون بين المغرب والصين، فهو يرى أن "الصين هي أكبر دولة ناشئة، ويمكنها أن تدفع التنمية في العديد من الدول النامية."
يحمل ناصر في داخله رسالة، وربما هذا له علاقة بإسمه، فقد ولد ناصر في سنة 1976 في المغرب داخل عائلة عسكرية، وكان أبوه معجب بالزعيم العربي جمال عبدالناصر، لذلك، اختار لإبنه إسم "ناصر". وهذا الإسم يحمل في داخله تطلع وأمل من الأب.
بطل في التايكواندو، ويعشق بروسلي
خلال طفولته، كان ناصر يحب شيئين فقط، التايكواندو والكونغفو الصيني. كان ناصر يشعر بأن رياضة التايكواندو مليئة بالجمال، لكنه لم يكن يعرف مصدر هذا الجمال. "لاحقا إكتشفت أنني أحب كثيرا هذه الرياضة، لأنها تحتوي على العديد من القواعد والإستراتيجيات، تجعل المتنافسين يحترمون ويحمون بعضهم بعضا، وهذا أهم سبب جعلني أحب رياضة التايكواندو."
هذا شبيه بفكر "نبذ الشجار" في الوشو الصيني. وكما يحب التايكواندو، يحب ناصر الوشو أيضا. وهنا، يقول ناصر، أن أخوه نجيب هو أول من نشر الوشو الصيني والخط الصيني في المغرب، وهذا ما ربط قدر ناصر بالوشو الصيني.
سبب تعلم ناصر التايكواندو يعود الى موهبته الذاتية. فقد بدأ ناصر التدريب البدني منذ طفولته ، ومنذ سن السادسة بدأ تعلم التايكواندو، وفي سنة 1989، أحرز ناصر وهو في سن الـ 12 بطولة المغرب لوزن 48-54 كلغ. وفي سنة 1993 حصل ناصر على بطولة العالم للشباب في رياضة التايكواندو في وزن 64-68 كلغ، وكان حينها عمره 16 سنة. بعد ذلك بعامين، إتخذ ناصر الذي أصبح رياضيا محترفا قرارا مفاجئا بالسفر إلى الصين، لكن هذه الرحلة أخذته 20 سنة.
شعر ناصر بالإحباط في البداية، "كنت أظن أنني سأجد الصين دولة قديمة، وبها الكثير من مظاهر الثقافة التقليدية، مثل ما كنت أشاهده في الأفلام، لكن بعد أن وصلت إلى بكين، تفاجئت بأنها مدينة حديثة بالكامل." لكن من حسن حظه، أن رحلته إلى ووهان جعلته يجد ضالته. وبعد مدة قصيرة ذهب ناصر للمشاركة في المنافسات بمدينة ووهان."حينما رأيت الكثير من الجبال تحيط بالمدينة، والعديد من المعابد، قلت، هذا هو بالضبط ما أريد رؤيته." يقول ناصر.
ريادة الأعمال في الجنوب، تأسيس مصنع ثم ممارسة التعليم
وجد ناصر لرحلته إلى الجنوب الصيني عذرا كافيا، "أحب لهجة قوانغ دونغ، وأحب مشاهدة أفلام جاكي شان، كما أحب سماع أغاني تان يونغ لين، لذا عليا أن أذهب إلى المناطق التي تتحدث لهجة قواندونغ."
أما السبب الأعمق لرحلته إلى الجنوب، فيعود إلى حس المغامرة الذي يجري في دمه، فهو يريد أن يرى المدينة الأكثر حيوية ونشاطا في الصين.
بدأ ناصر ريادة الأعمال في سنة 2004، حيث إفتتح مع أصدقائه مصنعا لإنتاج علب السلع الأجنبية في شنجن. حقق المصنع آداء جيدا وأرباحا كبيرة، لكنه بدأ التفكير في شؤون أخرى : عند قبوله للعديد من الخريجين الجامعيين في العمل، لاحظ ظاهرة حيرته: "لماذا أولائك الطلبة المتخرجين في جامعات مرموقة يمتلكون أسسا علمية قوية، لكن قدراتهم التطبيقية تقارب الصفر!"
لذا، شرع يتنقل بين قوانغتشو وشنجن، ويصرف الكثير من الوقت في تقديم الدورات التدريبية، والتحدث مع الخريجين الجامعيين، لمساعدتهم على التأقلم بسرعة مع أدوارهم الإجتماعية، والبحث في "التعليم المهني" هذا الهم الذي يؤرقه.
يرى ناصر أن الطلبة الصينيين قد تعودوا على الرعاية من العائلة والأساتذة، لذا ينقصهم الإدراك الكافي بالمجتمع، ماخلف هوة بين معارف الجامعة ويقتضيه العمل في الشركات، وليس هناك من يعلمهم طريقة الإندماج في العمل.
بعد ذلك، إتخذ قراره الثالث المفاجئ في حياته،--- العودة إلى مقاعد الدراسة في الجامعة.
الإرشاد المهني، يحظى بالإحترام والثقة
إلتحق تشونغ شان في سنة 2010 بقسم اللغة الصينية الدولية بجامعة تشونغشان، لدراسة البكالوريوس مرة أخرى، لاحقا تابع دراسة الماجستير والدكتوراه، في ذات الوقت يعمل مدرسا بنفس الجامعة.
في نفس الوقت، حقق مشروع ناصر تطورا كبيرا، وانطلق فريقه في تقديم الدورات التدريبية في مختلف جامعات مقاطعة قوانغدونغ، وتحظى دوراته التدريببة بترحيب جيد، كما إستقبل دعوات من العديد من الجامعات، لكن ناصر إكتشف أن تأثير المحاضرات يبقى محدود، لذا فكر في تنفيذ مشروعه على الإنترنت.
جيل التسيعينات والألفية الجديدة ولد في عصر الإنترنت، ولايحبون الإستماع غلى الخطب الطويلة. وشعارنا هو تعليم الدروس بأسلوب ترفيهي، بما في ذلك الرسم والسينما، والهدف من ذلك هو تفسير التوظيف وريادة الأعمال بشكل ممتع وبسيط.
يشرح ناصر العامل الذي دفعه إلى دخول مجال التعليم كما يلي: "لقد شهدت الصين تغيرات كبيرة خلال الـ 10 سنوات الأخيرة، ومفاهيم الناس تتغير بإستمرار، وفي دولة مليئة بالحيوية مثل الصين، من غير المعقول ألا يبادر الناس إلى ريادة الأعمال، ويمكن القول أنني رائد أعمال عصامي. بالنسبة لي، الشعور بالسعادة في ريادة الأعمال، لايكمن في زيادة رقم الرصيد البنكي، بل في تقبل الطلبة للمعارف التي أنشرها، وفي رؤية الخريجين الجامعيين يندمجون في المجتمع، وهذا شعور متميز. "
"الأهم من ذلك، أننا نحظى بالإحترام والثقة أثناء مساعدة الطلبة، ونحن نستمتع بهذا الشعور." بعد وقت قصير ستدخل دروس التعليم المهني التي طورها فريق ناصر الإنترنت، ليقرأها ملايين الطلبة في الصين. فلنتمنى له التوفيق والنجاح.